ادعم المدينة

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012


مقالات مُختارة: أنشودة حب للذي خلق - د.مصطفي محمود

سمعتهم يتحدثون عن الحب.. و يغنون للحب.. و يحلمون بالحب.. و يتكلمون عن الشفاه و الخدود و النهود، و يرتلون التسابيح في جمال لبنى، و يركعون على أعتاب لمياء، و يسجدون في محراب ليلى. فلمّا حدثتهم عنك يا إلهي أشاحوا بوجوههم عني، و كأني أزعجتهم من حلم. و ما دروا أنهم ما سجدوا إلا في محرابك، و ما سبّحوا إلا لجمالك، و ما ركعوا إلا لك، و إن جهلوك و أنكروك و كفروا بك.. فما ظهرت المحاسن إلا عنك، و لا بدت الجميلات إلا بجمالك، و ما سحرتهم العيون إلا بسرّك، و ما أذهلهم بالحق إلا وجهك.. فما ثم إلا وجهك.. تقدس وجهك عن الأسماء. و من هي ليلى، و لبنى، و سعدى، و لمياء ؟؟! إن هي إلا أسماء نقشتها رياحك على بحرك، و غداً تنقش لنا أسماء أخرى و أخرى.. و كلها إلى زوال، و أنت أبداً إلى بقاء يا بحر الجمال و المحبة.. و الذين عرفوك و عبدوك و أحبوك، و غرقوا فيك وحدك قد أحبوا الحب الجميع المجتمع و رشفوا من البحر كله، و سبحوا في الباقي، و اعتصموا بالحي و سجدوا للحق، و ركعوا للموجود أبداً و دائماً سبحانك يا من له الحب كله.. حدّثتهم عنك يا إلهي و هم منك و إليك، فما عقلوا عني، و حجبتهم نفوسهم عن نفسك، و أعماهم ختم اللحظات التي ختمتَ بها على قلوبهم عن سرّ أبدك.. فعجلوا إلى نزوة اللحظة.. و ما عجلوا إلا إلى العدم.. و لو كشفتَ لهم النقاب لوجدوا الأبد مطلا بعينيه من وراء اللحظات، و لرأوا جنتك تتألق من خلف السراب و لأنشدوا لوجهك مع العارفين المغرمين.. فما ثم إلا معناك.. و ما ثم إلا وجهك.. أنتَ سبحانك النور الذي تنوّرت به كل المظاهر، و لو اكتمل بصر الرائي ما رأى إلا نورك.. و لما زاغت منه العين في الخصور، و الصدور و النهود و القدود و الخدود.. و لما رأى فيها إلا نوافذ، و مشارف إقلاع يطير منها إليك.. و لما وقف عندها يلثمها، كما يلثم الوثني نحاس الأضرحة، و يسكب دمع العدم ليشربه العدم.. صدق من قال بحبك.. و كذب من قال بحب سواك.. و كذبته روحه يوم القيامة.. و ندمت يداه و قدماه فما زرع إلا الهواء.. و ما حصد إلا الهواء.. و ما تنوّر إلا بالظلمة.. و ما تبرّد إلا بالنار.. سيدي.. مولاي.. مليكي.. ما بيدي شيء.. ما بملكي شيء.. ما بوسعي شيء.. إلا ما أردت و أودعت و استودعت.. إليك أرد كل الودائع، لأستثمرها عندك في خزينة كرمك.. إليك أرد أبدع ما أبدع قلمي فهو جميلك.. و إليك أرد علمي و عملي، و اسمي و رسمي فهو عطاؤك، و إليك أسلم روحي و قلبي و نفسي و جسدي فالكل من خلقك.. ثم أسلم لك اختياري.. ثم أسلم لك سرّي.. ثم أسلم لك حقيقتي.. و هي أنا.. و حسبي أنت.. زكني يارب، و طهرني بإلهامك و رضاك لأكون يوم القيامة من أهلك، و خاصتك و خلانك.. لأكون كاتبك في الآخرة.. كما جعلتني كاتبك في الدنيا.. و لأكون خادمك، و كاتم سرّك و حامل أختامك، و عبدك المقرب المتحبب إليك بتضحية نفسه.

من كتاب: عصر القرود

تعليقك يدعمني معنوياً 

▼▼▼▼▼
افتح بريدك واكتبه هنا وإضغط
ليصلك كل كتاب جديد بمجرد تنزيله على مدينة الكتب مجاناً ٫ معلومات أكثر عن الخدمة

1 التعليقات

غير معرف يقول... @ 19 مايو 2013 في 2:47 ص
Reply To This Comment

ياالله ... كلمات قويه جدا كما في كتبه دوما والتي اعتقد ان من يقراها يحتاج الي قوة ايمان او عقل واع مثقف حتي يستوعبها.

قمنا بوضع هذا الصندوق لتسهيل عملية التواصل بيننا فتكلم حتي آراك !

إرسال تعليق