ادعم المدينة

السبت، 22 ديسمبر 2012


 مما لا شك فيه أن هذا التعبير يمتلئ بالبشاعة المتناهية والقبح الشديد إضافة إلى انعدام الحياء والخلق. وعندما تصبح الأم عدوة لابنتها فهذا يعني انقلاب القيم وتحطم الموازين، وأن شيئاً خطيراً يجري في حياة تلك الابنة وأمها.

وتتعدد الأسباب والمشكلات التي يمكن أن تحول العلاقة الأمومية إلى علاقة عدائية.. ويحدث ذلك في حالات اضطرابات الشخصية الشديدة عند الأم، والتي تبدأ بتخلي الأم عن دورها الطبيعي في العطاء والرعاية والرحمة لأبنائها وبناتها.. كأن تكون مفرطة الأنانية أو مفرطة القسوة أو تنتكر لواجبها وتهتم فقط بشؤونها الشخصية، ويمكن لتعاطي المخدرات والمسكرات أو الانحراف الجنسي والسلوكي والتصرفات الشاذة أن تحطم العلاقة الأمومية السليمة بالأبناء والبنات، وبعض الأمراض العقلية قد تكون سبباً في سوء العلاقات الحميمة بسبب اضطراب التفكير وظهور الهذيانات المتعددة والشكوك، ما لم تعالج مثل هذه الحالات بشكل صحيح.

وأما من جهة البنت فإن الأسباب التي تجعلها تعتبر أمها عدوة لها يمكن أن تكون أسباباً مشابهة لاضطراب الأم من حيث اضطراب شخصية البنت وضعف الالتزام الخلقي والديني والتربوي وأيضاً الاضطرابات العقلية والشك المرضي وغير ذلك. ولابد من الإشارة إلى أن العلاقات الحميمة بين أقرب المقربين ليست حباً خاصاً.. وينطبق ذلك على العلاقة بين الأبناء وأمهاتهم وآبائهم، وأيضاً بين الأبناء والبنات أنفسهم. وذلك لأنه أية علاقة إنسانية طبيعية تكمن فيها جوانب من الإحباط إضافة إلى الإشباع .. والإحباط يولد المشاعر السلبية والكره.. وتتدرج هذه المشاعر السلبية في شدتها ونوعيتها، فمنها الانزعاج العادي والغضب والسباب، وتصل في شدتها إلى العداوة الواضحة والبغضاء وإلى الإيذاء والقتل في أحيان أخرى نادرة.

وهذه المشاعر السلبية لا يمكن التعبير عنها بشكل واضح وصريح في كثير من الأحيان بسبب الشعور بالذنب والخوف أو القيم. ويؤدي كتمان هذه المشاعر والخوف منها وعدم تقبلها على أنها جزء طبيعي من حياة البشر .. يؤدي إلى التعبيرات الملتوية والمتعددة المظاهر عن هذه المشاعر، كما يؤدي إلى القلق الغامض أو الرغبة الشديدة في التنافس والحسد ، أو إلى أعراض مرضية جسدية . تؤدي أيضاً إلى ازعاج الأبوين بشكل غير مباشر كأن تؤجل تنفيذ طلباتهم وتنسى أو غير ذلك من مظاهر كبت المشاعر السلبية العدوانية. ولابد للأبناء من تقبل هذه المشاعر دون الشعور المبالغ فيه بالذنب .. كي لا تنفلت هذه المشاعر المزعجة أو تتضخم دون ضبط أو فهم أوتقبل.

وبعض الأشخاص تظهر في أحلامهم المزعجة أو في الكوابيس المتكررة صوراً ورموزاً تعبر عن غضبهم وانزعاجهم من الأم أو الأب أو الأخوة المنافسين لهم ، وهم يتألمون من ذلك ويتنصلون من مشاعرهم ويعزونها إلى الجن أو الشياطين أو إلى اقتراب الجنون .. ولايمكنهم أن يتقبلوا أنفسهم وأن يتفهموا مشاعرهم الداخلية السلبية وإحباطاتهم من أقرب الناس إليهم وما ينتج عنها من مشاعر سلبية مؤلمة .

وهكذا فإن الأم أو الأب أو الأخوة لايمكن أن يكونوا خيراً مطلقاً ..فهم بشر وليسوا ملائكة .. ولابد من تفهم مشاعر الغضب والإحباط وعدم الهروب منها بل تقبلها وهضمها وتعديل مايمكن تعديله من مشاكل التفاهم أو من السلوكيات غير المتوافقة عن طريق الحوار وأخذ المشورة والتفكير الإيجابي ..وما لايمكن تعديله أو تغييره يجب الصبر عليه ، والتأكيد على الصفح والتسامح والخلق الحسن .

وتنتشر حالة البنت التي تحس بمشاعر سلبية تجاه أمها ولاسيما في مرحلة المراهقة، وتبدأ بوادر ذلك منذ الطفولة . ومع التقدم في العمر وممارسة البنت لأدوارها الزوجية والأمومية تتغير الصورة عادة بأن تطغى المشاعر الايجابية وتخف تدريجياً حدة المشاعر السلبية ومظاهرها المتعددة . وترجع هذه المشاعر السلبية النشيطة إلى تنافس البنت مع أمها، فهي تقلدها وتأخذ أدوارها في أعمال المنزل والمظهر والثياب منذ الطفولة، ومن المعروف أن الأم أيضاً تنافس ابنتها وتحاول السيطرة عليها بشكل أو بآخر، وكل ذلك من الأمور العادية التي يمكن تفهمها وتقبلها مع الانتباه إلى عدم التطرف والمبالغة في عملية التنافس هذه. وفي بعض الحالات وبسبب بعض الظروف أو الحاجات الشخصية غير المشبعة تحدث المبالغة وزيادة المشاعر السلبية العدائية والتنافسية إلى درجة تسبب المشكلات ولا سيما في مرحلة المراهقة، ولابد من تخفيف هذه المشاعر من خلال تفهمها وتعديلها بجرعات من الحب والعطاء والرعاية من قبل الأم، فالمراهقة تتميز بالتمرد والتقلبات الفكرية والعاطفية والتجارب المتعددة في مختلف المجالات، وربما يكون "قليل من التمرد لا بأس به" ما لم يكن تطرفاً أو تصرفات شاذة وغريبة.

وعادة يتغلب الجانب الإيجابي في العلاقة بين الآباء والأبناء والبنات والأمهات ويتمثل الجيل الجديد القيم والصفات الإيجابية التي يحملها الأهل .. وإلا فإن عدداً من العقد النفسية والاضطرابات السلوكية والشخصية والصراعات تنتج عن ذلك .. وربما يحتاج الأمر إلى المساعدة النفسية والتربوية للتخفيف من حدة تلك المشكلات عند ظهورها .

وعندما تتحول الأم أو الأب أو الأخ إلى عدو صريح فهذا يعني شذوذ العلاقات الأسرية الحميمة وتفسخها ، واضطراباً في الأسرة وفي الشخصية ، لابد من تفهمه وضبطه ومناقشته وتعديله ..

كما لابد من حماية الطرف الأضعف من الاستمرار في العيش ضمن مثل هذه العلاقات .. ولابد من تدخل الأهل والأقارب والمؤسسات الاجتماعية والدينية والقانونية لتوفير الحد الأدنى من الرعاية لضحايا هذه الأسر والشخصيات .. ويمكن للمؤسسات الصحية أيضاً أن تلعب دوراً في العلاج وفي الرعاية وفي إعادة التأهيل وفي التخفيف من الآثار والآلام الناتجة عن ذلك . د. حسان المالح

تصفح موسوعة المقالات من هنا

▼▼▼▼▼
افتح بريدك واكتبه هنا وإضغط
ليصلك كل كتاب جديد بمجرد تنزيله على مدينة الكتب مجاناً ٫ معلومات أكثر عن الخدمة

0 التعليقات

قمنا بوضع هذا الصندوق لتسهيل عملية التواصل بيننا فتكلم حتي آراك !

إرسال تعليق