مقالات مختارة: الحاكم والنظرية - مواقف أنيس منصور
هناك قوة.. وهناك نظرية.. وصاحب القوة يريد أن يكون أيضا صاحب نظرية.. أي أن الحاكم يريد أن يكون فيلسوفا! والمثل الأعلي هو أن يكون الفيلسوف الحاكم.. وهذا هو حلم الفلاسفة وحلم الحكام.. وصاحب النظرية يريد أن يكون حاكما.. أي الفيلسوف يريد أن يكون حاكما قادرا علي نشر هذا الرأي بين الناس. والقوة بلا فلسفة غاشمة.. والفلسفة بلا قوة هلوسة! وقد حاول أستاذنا العظيم أفلاطون أن يرسم لنا الدولة المثالية المنضبطة القوية الواعية.. أي التي تتوازن فيها القوة والنظرية.. فأقام المدينة الفاضلة.. وفي اللغة اليونانية يسمونها يوتوبيا أي التي ليس لها مكان.. أي دولة بلا مكان.. أي في خيال صاحبها. ولكن أفلاطون كان مؤمنا بإمكان قيام هذه الدولة.. مادام علي رأسها الفلاسفة.. فالفيلسوف هو أعظم كائن إنساني.. والفلاسفة إذا كانوا رءوس دولة فهي الدولة الفاضلة التي تتوزان فيها حقوق الإنسان ورغباته.. وإرادته ونزواته.. فهي دولة علمية فلسفية. ولما طلبوا إلي افلاطون أن يحتل إحدي الجزر اليونانية, وأن يجعلها دولته المثالية فشل.. وكان فشله أكبر دليل علي أن صاحب النظرية ليس دائما أقدر الناس علي تطبيقها.. فالمسافة كبيرة بين النظرية والتطبيق.. بين القول والعمل.. بين الفيلسوف والحاكم! ولكن الإنسانية لم يتأس.. حاولت أن تحقق خيال الحكام وأحلامهم.. ان تدوس الصعوبات المتعصية التي تواجهها فلجأت الي العنف! والمثل القديم يقول: دولة الظلم ساعة.. ودولة العدل إلي قيام الساعة! وظل حلم الإنسانية كلها أن تجد حاكما عادلا أو حاكما فيلسوفا.. إيطاليا بعد الحرب طلبت الي الفيلسوف كروتشه أن يكون أول رئيس لها فاعتذر.. وإسرائيل طلبت الي العالم الفيزيائي العظيم أينشتين أن يكون أول رئيس لها فاعتذر! والثورة المصرية عرضت علي مؤرخ الفلسفة لطفي السيد باشا أن يكون رئيسا فاعتذر. ولم تنجح لأنها فرضت الفكرة بالقوة.. ولأنها وضعت الناس في قوالب من الحديد مع أن الناس مختلفون, ولدوا كذلك وسوف يموتون كذلك.. ولأنها بالعنف قضت علي إرادة البشر من أجل إرادة شخص واحد.. فمات الشخص الواحد ولابد أن يموت وسبقته الي القبر نظريته أيضا!تعليقك يدعمني معنوياً - تحميل كتب أنيس منصور
▼▼▼▼▼
0 التعليقات
قمنا بوضع هذا الصندوق لتسهيل عملية التواصل بيننا فتكلم حتي آراك !
إرسال تعليق