ادعم المدينة

الأربعاء، 12 ديسمبر 2012


مقالات مختارة: صديقي الغبي والجنازة - يوسف معاطي

دخلنا سرادق العزاء أنا وصديقي‏..‏ وجلسنا‏..‏ في أسي‏..‏ برغم أن المرحوم لا تربطنا به أي صلة‏..‏ سوي أنه كان مسئولا كبيرا في الحكومة‏..‏ وعزاءات المسئولين الكبار حينما يتوفاهم الله يحضرها مسئولون كبار آخرون علي قيد الحياة‏..‏ يكون لقاؤنا بهم في العزاء فرصة للتعارف وتخليص حاجات‏..‏ وأهو واجب بنعمله‏..‏ وأي مصلحة ما يضرش‏..‏ كان القارئ يعلم جيدا‏..‏ أنه يقرأ في عزاء له وضع خاص‏..‏ فكان يتفنن ويبدع ويجلجل وهو يقرأ‏..‏ وينظر نحو الداخلين ليتعرف علي شخصياتهم فهذا وزير‏..‏ وهذا وكيل وزارة‏..‏ وهذا فنان معروف‏..‏ وذلك لاعب كرة شهير‏..‏ وبعد أن أنهي الربع الأول‏..‏ بدأ بعض المعزين في القيام يتأهبون للانصراف‏..‏ فإذا بالقارئ‏..‏ والله العظيم هذا حدث‏..‏ يشخط في أحدهم ويقول يا عم انت لسه جاي قايم وماشي؟‏!‏ لحقت تقعد؟‏!‏ اقعد واسمع وجلس الرجل مذعورا‏..‏ ولما كان أخوكم‏..‏ مزنوق‏..‏ وأريد أن أذهب إلي الحمام‏..‏ فقد تماسكت‏..‏ وقررت ألا أقوم من مكاني إلي أن ينتهي القارئ‏..‏ أحسن ما الواحد يسمع له كلمة ولا حاجة احنا جايين نعزي‏..‏ مش جايين نتهزأ‏..‏ ولكن‏..‏ مش قادر‏..‏ مش قادر فرفعت إصبعي وأشرت للقارئ أنني أريد الذهاب إلي الحمام‏..‏ فإذا به يقول في الميكروفون‏..‏ خش يا أخي من هنا الحمام تالت باب ع الشمال‏!!..‏ هكذا يا عم الشيخ في الميكروفون‏!!..‏ جامع عمر مكرم كله عرف إني رايح الحمام‏!!‏ ذهبت وعدت مسرعا لأنني لو لم أعد سيفضحني عم الشيخ ويمكن يعلن في الميكروفون أنني زوغت من العزاء‏..‏ جلست في مكاني وحييته برأسي لأثبت حضوري فرد التحية‏..‏ جلست أتأمل الوجوه الجالسة بجوارنا‏..‏ لا أثر للحزن علي أي منهم وكلهم جاءوا لمجاملة معارف المسئول الكبير‏..‏ إلي أن‏..‏ نظرت أمامي‏..‏ ويا للمفاجأة‏..‏ هل تعلمون من كان جالسا؟‏..‏ إنه المسئول الكبير نفسه المتوفي‏..‏ المرحوم بشحمه ولحمه جالسا أمامي في العزاء‏..‏ قلت لصديقي مذعورا انظر أمامك‏..‏ هل تري ما أراه‏..‏ فنظر صديقي‏..‏ وهو غبي علي فكرة‏..‏ وقال‏:‏ ماذا تري؟‏..‏ اسكت بأه أحسن القارئ بيبص لنا‏..‏ قلت له يا عم الراجل اللي قاعد قدامك ده‏..‏ بص له‏..‏ قال صديقي‏:‏ ماله‏..‏ قلت له مش ده المرحوم سليم بيه شافع‏..‏ قال صديقي‏:‏ آه احنا ح نهزر بأه‏..‏ انت شكلك كده جاي فايق‏..‏ قلت له يا عم ركز في ملامحه‏..‏ هوه‏..‏ والنعمة الشريفة هوه‏..‏ قال صديقي‏:‏ يا أخي تلاقيه أخوه‏..‏ ما هم شبه بعض‏..‏ قلت له سليم بيه مالوش أخوات‏..‏ قال لي‏:‏ ما يمكن ابنه؟‏!‏ قلت له بأه ابنه شعره أبيض كده‏..‏ قال‏:‏ لازم من الزعل‏..‏ يا عم هوه والنعمة هوه سليم بيه شافع‏!!‏ وصاحبي يهدئني يا بني ما تلمش علينا الناس‏..‏ أهوه الربع خلص‏..‏ قوم بينا‏..‏ أبأه عيل لو حضرت معاك عزاءات تاني‏..‏ ده انت فضيحة‏!!..‏ بعد أسبوع تلقينا ببالغ الحزن والأسي نبأ وفاة شريف بيه عبدربه‏..‏ وذهبت وحدي هذه المرة‏..‏ وجاءت جلستي بجوار صديقي‏..‏ كتم ابتسامة حينما رآني‏..‏ وأدار وجهه‏..‏ لا أعلم لماذا‏..‏ بالعب حواجبي أنا؟‏!‏ لم أعره اهتماما‏..‏ كان القارئ هذه المرة أقل حدة من القارئ بتاع سليم بيه شافع‏..‏ وقبل أن ينتهي الربع‏..‏ رفعت رأسي‏..‏ ويا نهار أسود‏..‏ كان شريف بيه عبدربه جالسا في ركن من العزاء وحده‏..‏ يهز رأسه في أسي‏..‏ وبعدين بأاااه؟‏!‏ وهمست لصديقي‏..‏ بص هناك كده‏..‏ آخر الصوان علي اليمين‏..‏ مين ده‏..‏ فأجاب صديقي‏..‏ وهو غبي جدا علي فكرة‏..‏ معرفوش‏..‏ يا عم أبوس إيدك‏..‏ بص له كويس‏..‏ مش شريف بيه عبدربه‏..‏ قال وهو يكاد يتفجر‏..‏ تاني‏..‏ انت ما بتحرمش‏..‏ انت يعني مستقصدني‏!!‏ إيه اللي بيجيبك تقعد جنبي بس‏!!‏ خرجنا من العزاء وهو يلعن الظروف التي تلقي به أمامي‏..‏ وأمام العزاء قابلنا صديقا لنا‏..‏ ولكنه ذكي جدا علي فكرة‏..‏ حكي له صديقي‏(‏ الغبي جدا علي فكرة‏)‏ ما حدث في العزاءين الأول والثاني‏..‏ وأخذ يشكو له من أن دماغي لم تعد تنفع بعد ذلك‏..‏ وأنني أعيش في حالة من الهلوسة والتهيؤات‏..‏ وإذا بصديقي‏(‏ الذكي جدا علي فكرة‏)..‏ بكل بساطة‏..‏ يقول‏:‏ أنا حضرت عزا سليم بيه شافع‏..‏ وقابلته هناك‏..‏ وسلمت عليه‏..‏ وأهوه أنا لسه معزي شريف بيه عبدربه وسلمت عليه هو كمان‏..‏ فيها إيه‏..‏ مش فاهم‏!!..‏ إيه اللي مضايقك يعني‏..‏ ونظر صديقي الغبي نحونا وقد فتح فمه في بلاهة‏..‏ ولم يستطع النطق‏..‏ كان يظن أنني المخرف الوحيد‏..‏ فوجد لي رفيقا‏..‏ واستمر صديقي الذكي في كلامه‏..‏ يا جماعة‏..‏ المسئولون هكذا‏..‏ ربما ينزل لهم نعي في الجرائد‏..‏ وتقام لهم سرادقات عزاء‏..‏ هذه كلها مسائل شكلية‏..‏ ولكنهم لا يموتون‏..‏ ده أنا حصل معايا اللي أنقح من كده‏..‏ رايح أعزي في وزي ر مات‏..‏ فهتفنا به أنا وصديقي الغبي‏..‏ ولقيته في العزا‏!!‏ قال صديقنا الذكي‏..‏ يا ريت ده عادي‏..‏ قلنا له‏..‏ أما لقيت إيه‏..‏ قال‏:‏ لقيته مات فعلا‏..

تعليقك يدعمني معنوياً

▼▼▼▼▼
افتح بريدك واكتبه هنا وإضغط
ليصلك كل كتاب جديد بمجرد تنزيله على مدينة الكتب مجاناً ٫ معلومات أكثر عن الخدمة

0 التعليقات

قمنا بوضع هذا الصندوق لتسهيل عملية التواصل بيننا فتكلم حتي آراك !

إرسال تعليق