ادعم المدينة

الأربعاء، 12 ديسمبر 2012


مقالات مختارة: ولا إحنا هنا! - يوسف معاطي

ولا احنا هنا والله اني لأعجب‏..‏ وأندهش‏..‏ بل وأنحني احتراما لتلك العبقرية المصرية في التعامل مع الكوارث والمصائب‏..‏ تلك الطريقة الفذة التي انفرد بها شعبنا دونا عن سائر الشعوب الأخري‏..‏ ان المصري لا يعترف بأي شيء سلبي يحدث له‏..‏ وليس هذا التفاؤل في طبيعته لاسمح الله‏..‏ ولا لبرود في دمه ـ أعوذ بالله ـ وإنما لأنه يمتلك نظرة فلسفية ليس لها أي مبرر تجعله ينظر باستخفاف إلي أي مصيبة‏..‏ ولا كأنها حصلت من أساسه‏..‏ تلك النظرة التي واجه بها المصري القديم الهكسوس وهم يدخلون مصر علي عرباتهم الحربية وكلهم همجية وفرحة حيوانية بالانتصار الساحق‏.‏ والمصري القديم ولا هو هنا‏..‏ ينظر نحو الإله بتاح‏..‏ ويبتسم في ثقة‏..‏ ح يعملوا إيه الهكسوس يعني‏..‏ عاوزين يقعدوا‏..‏ ما يقعدوا‏..‏ والسيناريو نفسه تكرر مع الرومان والإغريق والفرنساويين والإنجليز وحتي الألمان‏..‏ انظر إلي المصري حينما يزور مريضا‏..‏ لا جذع ولا توتر‏..‏ وإنما ينظر نحو المريض الذي يكاد يحتضر أمامه ثم يقول له ببساطة‏:‏ ما انت زي القرد أهوه‏..‏ أمال بيقولوا عيان‏..‏ ما بلاش السلبطة دي‏!!‏ وانظر إليه حينما يسمع خبر موت فلان‏..‏ تجده يقول ببساطة‏..‏ استريح‏..‏ حد لاقي الموتة دي‏!!‏ ببساطة شديدة يقول المصري يا عم ح تفرج‏..‏ ما حدش بينام من غير عشا‏!!‏ ولهذا يا أعزائي‏..‏ نتكاثر نحن المصريين بتلك الصورة الفظيعة‏..‏ ولا تحديد نسل نافع معانا ولا وسائل منع الحمل شغالة في البلد دي‏..‏ ومهما شيدنا كباري فوق الأرض وأنفاق تحت الأرض‏..‏ نملؤها بالبشر بعون الله في ظرف عشر دقائق‏.‏ وتخيل سعادتك ـ ولماذا تتخيل ما انت مجرب كل ده ـ أن تستيقظ من نومك فتشرب كوبا من الماء الذي إذا مر علي فيلتر ستكتشف أنك كنت تشرب كوبا من السبانخ‏..‏ ثم تفتح الشباك لتستنشق الهواء الذي إذا مر علي فيلتر ستكتشف لماذا يستخدم المصريون عمال علي بطال كلمة زفت في حوارهم اليومي‏.‏ نفطر بأه‏..‏ طبق الفول المتين ورغيف العيش بزلطه ومساميره‏..‏ خراسانة جاهزة نموذجية تجعل معدتك ع المحارة‏..‏ وبعد أن تمر من كل هذا يا بطل‏..‏ انزل الشارع‏..‏ السيارات تمضي والمواطنون أيضا كلاهما يكسر الإشارة‏..‏ المواطن والسيارة‏..‏ وكل حسب قدرته علي تفادي الآخر‏..‏ ولقد اكتسب المصري مقدرة عالمية في المرور بين السيارات برشاقة كراقص باليه محترف‏..‏ وعبرنا يا سيدي‏..‏ رايح علي فين يا بطل‏..‏ تقول انك ذاهب إلي المرج‏..‏ وماله نركب القطار‏..‏ سيحترق القطار بالتأكيد أو سيرتطم بقطار آخر‏..‏ ولكن ماذا يخيف في ذلك‏,‏ لقد مررنا من مواقف أصعب من هذا بكثير‏..‏ ألا تذكر يوم انفجرت أنابيب الغاز عندكم‏..‏ ماذا حدث‏..‏ ربنا ستر والحمد لله‏..‏ وكانت الإصابة في كتفك ونقلوك إلي المستشفي‏..‏ وظللت تنزف من الساعة الحادية عشرة مساء حتي أتي الطبيب تاني يوم ليقول إنك تحتاج نقل دم‏..‏ وماله‏..‏ لقد مررنا من مواقف أصعب من هذا بكثير‏..‏ ونقلوا لك الدم وكانت الأكياس ملوثة‏..‏ وإيه يعني‏..‏ هيه جات ع الأكياس‏..‏ يا عم قول يا باسط‏..‏ إن الصحافة تبالغ كثيرا وتهول في الأمور‏..‏ وهل لو كانت الأمور بهذه الخطورة التي يصورونها‏..‏ كنا اقتربنا الآن من ثمانين مليون نسمة؟‏!‏ تلك هي عظمة شعبنا‏..‏ والآن كل الجرائد والكافيهات والسهرات العائلية مشغولة بحديث روتانا وفتيات الليل‏..‏ وسمعة مصر‏,‏ برغم أن مصر الآن صارت في سن يبعدها عن الشبهات‏..‏ واحدة عندها سبعة آلاف سنة مش كبيرة يعني‏,‏ وكلنا يعلم أن مصر لو في وسط ميت راجل لو محافظة علي نفسها خلاص‏..‏ كل هذا يحدث والتعديلات الدستورية الجديدة ستناقش في مجلس الشعب‏..‏ والمصريين ولا هما هنا‏..‏ تعديلات إيه ودستور إيه خليها علي الله‏..‏ لقد مررنا من مواقف أصعب من هذا بكثير‏..‏ ده بيقولك البت من دول بتكسب عشرة آلاف وربعمائة جنيه في الشهر‏..‏ قلت له إزاي‏..‏ قال لي عشرتلاف جنيه مرة من شغلها‏..‏ وربعمية مرة لما بتتكلم عن شغلها!


تعليقك يدعمني معنوياً 

▼▼▼▼▼
افتح بريدك واكتبه هنا وإضغط
ليصلك كل كتاب جديد بمجرد تنزيله على مدينة الكتب مجاناً ٫ معلومات أكثر عن الخدمة

0 التعليقات

قمنا بوضع هذا الصندوق لتسهيل عملية التواصل بيننا فتكلم حتي آراك !

إرسال تعليق