مقالات مختارة : قوليلي يا مرايتي - يوسف معاطي
مرايتي......قوليلي يا مرايتي قلما أنظر في المرآة...حتى في تلك الطقوس الصباحية الروتينية كأن أغسل وجهي أو أحلق ذقني..فلا أكثر من ألمحني واقفا ــ بنظرة عابرة ــ أحاول أن أنهي هذه الأمور .. و لم أستطع أن أمارس تلك اللحظة النرجسية التي يتأمل فيها المرء منا ملامحه معجبا بشاربه أو بأنفه أو بحاجبيه .. فمنذ نعومة أظافري كانت لي ثمة اعتراضات على أشياء معينة في وجهي مثل أن أنفي أطول قليلا مما ينبغي و فمي ليس به شفة عليا كأنه مفتوح بمشرط.. وجبهتي عريضة و مدببة بشكل لم تستطع العوامل الوراثية أن تتجنبه..وقررت أنا أن أتجنب وجهي أيضا طالما أن هذه الاعتراضات لا تنتهي و لا تزول و إنما تكبر مع الأيام و تصبح أكثر وضوحا ، وهكذا تمر أسابيع بل و شهور دون أن أرى نفسي في المرآة و حينما يحدث ذلك أحيانا بشكل عابر لا يتم لأنني( وحشتني ) وإنما فقط لأتأكد أن المذكور أدناه لا يزال على قيد الحياة..أما المرآة التي لم أستطع أن أقاوم النظر إليها و البحلقة فيها هي تلك المرآة التي يضعها الحلاق خلف رأسيلكي يريني ما أبدعته يداه في قفايا ولأنني كنت ولا زلت أحد المعجبين بقفايا فكنت أتأمل التدريجة..وميل القفا وانحداره تحت الجمجمة باستمتاع غريب يستدعي مداعبات أبي ــ يرحمه الله ــ لي على قفايا في أيام الطفولة كلما قا ل ( المضروب ) " اللي هو أنا " كلمة أو تعليقا ظريفا معبرا عن إعجابه "كأب" بي كطفل عفريت مما أورثني عادة غريبة هي أنني كلما قلت نكتة حلوة أشعر أن شيئا ما سيرن فوق قفايا..و كنت أتأمل النجم الوسيم و هو يقبل البطلة في الفيلم فأجد يديها الناعمتين تتسلان بحركة سيامية ناعمة وتتحسسان قفاه ..فأتحسس قفايا أنا أيضا و أنا أشعر بمدى الخسارة التي خسرتها السينما المصرية. والمرآة في البيت هي جزء من ممتلكات الزوجة وهي المنطقة التي تقضي فيها نصف اليوم على الأقل ووقوف زوج مثلي أمام المرآة مسألة مثيرة للشبهات وتستدعي تلك الأسئلة التي تحفظونها حضراتكم عن ظهر قلب..إيه اللي موقفك قدام المراية ؟ بتتأنتك كدة ليه ؟ عاجباك نفسك قوي ؟ وكمان بتحط كولونيا؟ هنا يرد الزوج العاقل..لأ..ده دمل في مناخيري .. وبافتحه! والمرأة احتلت المرآة احتلالا استعماريا لا خلاص منه...بل أنها تبني مستوطنات لها أمام المرآة وتظل تكلمها وتحاورها...مرايتي قوليلي يا مرايتي...حبيبي ما جاش ليه دلوقتي ؟...ولا أبلغ من أن " المرأة " و " المرآة " لفظتان تتكونان من نفس الحروف باستثناء تلك الشدة التي على الألف في " المرآة " وهي شدة لازمة لأن المراية لازم تبأه مشدودة ، وفي كثير من الأحوال تكون المرأة هي كمان مشدودة..وإذا كانت الزوجة عندها بنت مفعوصة تقلد أمها في كل شيء...هنا سيتحول الصراع إلى معركة أنثوية بينهما كل منهما " تزق " الأخرى من أجل الوقوف أمام المرآة .. وأنت يا مسكين ح تروح فين ؟ ريح ع الكنبة شوية لحد الهوانم ما يخلصوا...وهكذا عودت نفسي أن أقوم بكل الأعمال دون الاستعانة بمراية...أربط الكرافتة كده بالويم..أساوي شاربي بمهارة شديدة دون أن أراه.. مما جعل حا سة اللمس عندي أقوى من هيلين كيللر....وكنت أعتمد على الآخرين في إحساسي بمرور الزمن..فأذهب إلى صديق كان معي بالمدرسة سنة بسنة و أتأمل وجهه وأقول...ياه..ده احنا عجزنا قوي...وآخر يقول لي وشك مخطوف خالص وثالث يقول لي..حواجبك منكوشة..ما أروع الأصدقاء حينما يصبحون لك مرآة ترى من خلالها نفسك...ولذا ظللت كل هذه السنوات لاعلاقة بيني و بين المرآة إلى أن طلب مني أن أتصور بعض الصور لإحدى المجلات فارتديت ملابسي وحلقت ذقني وسرحت شعري معتمدا على حاسة اللمس المعجزة ثم نظرت إلى زوجتي ليس بوصفها مراتي..وإنما بوصفها مرايتي...فتأملتني قليلا وقالت كويس. ذهبت إلى المصوراتي فأجلسني على كرسي وقال..ابتسم..الشيء الغريب أنني كنت مبتسما بالفعل..قلت له أنا كدة مبتسم فاندهش الرجل و قال في زهق..لأ..ابتسم..أشوف ابتسامة لو سمحت..وأدركت خطورة الموقف...فقد كنت طوال السنوات الماضية أبتسم و يظن الآخرون ان فيه حاجة مضايقاني...لقد نسيت شكلي وأنا مبتسم...وحاولت أن أتذكر ملامحي...أنا على حد علمي..أسمر قليلا..ولي شارب..و..لا يمكن .. أنا لا أذكر شيئا من ملامحي..سوى قفايا..كان يجب أن ألقي نظرة على المرآة قبل التصوير على الأقل حتى أدرب وجهي على اللقطات..وجاء الرجل وفتح فمي بإصبعيه كأنه يفتح علبة سلمون؟؟وقال..بس...اثبت على كدة...في المساء ذهبت لأستلم الصور..فوضع أمامي مجموعة من الصور لواحد تاني يشبهني إلى حد ما..قلت له..فين الصور بتاعتي...فأجاب الرجل ببرود..ما هي دي صورك....نظرت إلى الصور مندهشا وكشرت وصرخت فيه..دي صوري أنا ؟ لا يمكن..استشاط الرجل غضبا وقال..البيه جاي يتريق عليا..مكن تقوللي انت بتضحك على إيه دلوقت؟ قلت لنفسي يا نهار اسود!! أنا لا أضحك ، بالعكس أنا مكشر وروحي ف مناخيري وناوي أضربه..كيف يراني أضحك؟ هنا قال المصوراتي بغيظ..أبأوا بصوا في المراية قبل ما تتصوروا...وتمالكت أعصابي وقلت في حسم..عندك مراية؟..قال في غيظ...اتفضل جوه...قلت له نشوف، وأخذت الصور ودخلنا حيث المرآة التي قاطعتها كل هذه السنين..و..ياللمفاجأة..من هذا الواقف بالمرآة..أخذت أتأمل نفسي في المرآة كمن طلع له عفريت..متى حدث كل هذا؟ لا حول ولا قوة إلا بالله...لقد سمنت جدا..وما هذا الصلع؟! هنا وكزني المصوراتي بيده وقال ــ في نفاذ صبر ــ إنت باصص فين..انت بتبص عليا أنا؟ إنت أهوه..اللي واقف جنبي..و أشار نحوي..فإذا بلآخر الذي هو أنا .. والذي يشبه الصور الخالق الناطق يتأملني في اندهاش وهو يضرب كفا بكف!!تعليقك يدعمني معنوياً
▼▼▼▼▼
0 التعليقات
قمنا بوضع هذا الصندوق لتسهيل عملية التواصل بيننا فتكلم حتي آراك !
إرسال تعليق