ادعم المدينة

الأربعاء، 12 ديسمبر 2012


مقالات مختارة : ألف نيلة ونيلة - يوسف معاطي

 تتجلى الاساطير والحكايات الشعبية فتلقي بظلالها على الواقع فتفرز افكارا جديدة لم تخطر على البال حينما سمعناها لأول مرة .. عندك مثلا حكاية الاربعين حرامي او بالأحرى ــ الاثنين وأربعين حرامي ــ اذا اضفنا لهم قاسم وعلي بابا ، فكلاهما هبر له هبرة وان كانت الحكاية قد تحيزت لعلي بابا ــ لسبب غير مفهوم ــ رغم انه بعد الضنا بأه لابس حرير في حرير !! السؤال .. ماذا فعل الاربعين حرامي بما سرقوه ونهبوه من البلاد من غنائم ومجوهرات واموال !! كانوا يستطيعون ان يهربوا بها خارج البلاد وكل حرامي منهم يأخذ حصته ويعيش ملك ، لكنهم اصروا ــ لسبب غير مفهوم ايضا ــ ان يودعوا كنوزهم كلها داخل مغارة تفتح ابوابها فقط لمن يقول افتح يا سم سم .. وهي فكرة وان دلت على شيء فتدل على براءة الاربعين حرامي بل وسذاجتهم وحسن نياتهم .. واذا وضعنا في الاعتبار الشكل الخارجي للاربعين حرامي لوجدنا انهم كانوا يرتدون ملابس مميزة وطراطير ويتحركون بشكل جماعي كأنهم فرقة رضا للفنون الشعبية .. تعالوا بأه نعمل نقلة قياسية على ما نحن فيه لنرى كم ستتغير الصورة .. أولا سنجد ان رقم اربعين لم يعد مناسبا مع الزيادة السكانية الرهيبة فلنقل مثلا انهم صااروا عصابة الاربعين الف حرامي .. طيب .. وأي مغارة هذه التي يمكن ان تؤويهم ؟ .. ياسيدي ماتزعلش .. لنجعلها قرية سياحية .. والغنائم والاموال هل ينفع ان توضع في صناديق وسحارات وشكمجيات كده على عينك يا تاجر !! طبعا لأ البنوك تقوم بالمهمة والحسابات سرية .. لا سم سم ولا ابو سمسم يستطيع ان يفتحها .. اما بالنسبة للزي فلم تعد الازياء الشعبية مناسبة للمشهد .. ليرتدوا إذن بدلا وكرافتات انيقة على احدث موضة ولتصبح الوجوه ناعمة رقيقة وليصبحوا نجوما في المجتمع لهم هيبة وسلطة وصيت ذائع .. فهذا يمكن ان يكون عضوا في البرلمان وهذا مسئول مهم وذلك طبيب استشاري .. وهذا مدير بنك .. اتفقنا على الشكل .. ولكن يتبقى شيء .. كيف يتم التنسيق بين افراد العصابة الكبيرة المترامية الاطراف .. نرجع للاسطورة فنجد ان عصابة الاربعين كانت تتلقى اوامرها من شيخ منصر .. اجش الصوت مخيف الشكل .. ولكن عصابة الاربعين الف كلهم شيوخ منصر او لديهم الطموح لذلك والمؤهلات أيضا .. كلهم شيخ منصر وكلهم شيخ " منظر " . نعود لنقطة الادارة او الوسيلة التي يتبعها عصابة الاربعين الف حرامي في تلقي الاوامر وتنفيذها .. انها اختراع العصر واكبر وسيلة اتصال لأكبر شبكة في التاريخ .. لا احد يعرف الاخر ولا يكلمه ولا يلتقون ولا يتحاورون . انهم فقط يبدعون .. وقد بدأت المؤامرة بجريمة قتل لشيء اسمه الضمير .. وحدث هذا بشكل تدريجي منظم .. كالسم البطيء .. ولم يعد الحرامي في حاجة الى أوردر من شيخ منصر .. وصاروا جميعا مثل أي كورال محترف لا يخرج عن المقام ، ينشدون نفس الجملة الموسيقية .. كل هذا والامور ماشية وتسير على ما يرام .. نعم تستطيع العربة الخربة ان تسير اذا وضعتها في اعلى طريق منحدر .. نعود للاسطورة ونتساءل .. كيف تمكن الراوي من ان يتخلص من عصابة الاربعين حرامي . الحل كان ــ لسبب غير مفهوم ــ بسيطا للغاية .. أحضر اربعين زلعة ووضع فيها الاربعين حرامي ووضع فوق كل زلعة حجرا .. وهكذا انتهت الحكاية واستراح الناس من شرهم .. نعود للقياس اذا تصورنا اننا سنفعل ذلك .. فنحن بحاجة الى اربعين الف زلعة .. وحتى تكون الزلع من النوع الذي يتحمل ولا ينكسر فيجب ان تكون جيدة الصنع .. وما المشكلة .. نستورد اربعين الف زلعة من الصين .. بسيطة .. ولكن هذا يحتاج الى إذن استيراد والى اعتماد من البنك !! وماله !! نعمل مناقصة .. او يتقدم احد البنوك بتسهيلات لواحد من حبايبه لكي ينجز المشروع ..ولكن على من سيرسي العطاء .. نريد شخصا موثوقا به وليكن مثلا على بابا صحيح انه مد ايده هوه كمان وغرف من المغارة ولكنه لم يكن طماعا مثل قاسم .. هوه علي بابا مفيش غيره ..وجاء علي بابا وأخذ القرض ومضى العقد وسافر ليعقد صفقة الزلع .. بعضهم قال انه شوهد في الصين فعلا .. وناس شافوه في تايوان وآخرون في امريكا .. وها قد مرت الف ليلة وليلة ولا تزال عصابة الاربعين الف حرامي مطلقة السراح ولا يزال علي بابا مختفيا حتى كتابة هذه السطور .. وأدرك شهر سبتمبر الصباح .. فسكتنا عن الكلام المباح!

تعليقك يدعمني معنوياً 

▼▼▼▼▼
افتح بريدك واكتبه هنا وإضغط
ليصلك كل كتاب جديد بمجرد تنزيله على مدينة الكتب مجاناً ٫ معلومات أكثر عن الخدمة

1 التعليقات

ابراهيم بيومي يقول... @ 17 مارس 2013 في 2:16 م Reply To This Comment

بارك الله فيكم علي مجهودكم الرائع

قمنا بوضع هذا الصندوق لتسهيل عملية التواصل بيننا فتكلم حتي آراك !

إرسال تعليق